كشف جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك) عبر الإعلام الإسرائيلي في 12 كانون الثاني/يناير، أن ضابطا في المخابرات الإيرانية أقدم على استخدام بروفايل على فيسبوك يحمل اسم “رامبود نمدار” لتقديم نفسه على انه يهودي إيراني، وذلك من أجل تنمية علاقات مع مواطنين إسرائيليين ثم استغلال هذه العلاقات في الوصول الى معلومات حساسة.ويستدل مما نشره الجهاز أن خمسة إسرائيليين تصادقوا مع “نمدار” بعد وقوعهم في الفخ الذي نصبه، حيث قدموا له معلومات قد تكون حساسة. وسنقوم هنا بمناقشة بعض ما يمكن الاطلاع عليه عبر البيانات المفتوحة المصدر.ولاعتبارات تتعلق بالخصوصية والحساسية تتميز بها هذه الحالة (بل قد صدر حظر نشر بهذا الخصوص)، فقد اخترنا عدم نشر كل ما كشفنا عنه.

وكجزء من غطائه، أقام نمدار صداقات مع ما يزيد عن 100 إسرائيلي على الفيسبوك، معظمهم من ذوي الأصول الإيرانية.كما انضم الى مجموعات على الفيسبوك وشارك في مبادرات لدعم الحوار الإسرائيلي-الإيراني.تعود هذه الأنشطة إلى ما قبل 8 سنوات، كما بينت ذلك تعليقات تضمنتها بعض رسائله اعتبارا من نيسان/أبريل لعام 2014. وقد سعى من خلال رسائله، ومنذ آذار/مارس 2014، لرسم صورة له كيهودي إيراني أو إيراني يعمل على ربط علاقات إسرائيلية-إيرانية.ولغرض تطوير صورته حرص على مشاركة رسائل موالية لإسرائيل نقلها من صفحات إسرائيلية، كما انضم إلى مجموعات على فيسبوك، ولا سيما تلك المعنية بالثقافة الفارسية في إسرائيل.وزيادة على ذلك، قام بمشاركة رسائل تتضمن انتقادات للنظام الإيراني وحرس الثورة الإسلامية الإيراني.

وإذا نظرنا إلى الإسرائيليين الذين تفاعلوا مع بروفايله، رأينا أن معظمهم من النساء ذوات الأصول الإيرانية وفي سن الكهولة، ولا سيما من سكان تل أبيب وأشدود وحولون.وجاء في وسائل الإعلام أنه استهدف المتزوجات المنجذبات الى الرجال الشباب من ذوي الكاريزما.ومن الناحية السياسية، فإن العديد ممن يتفاعلون معه هم من مؤيدي بنيامين نتنياهو.كما أنه تمكن من جعل بعض “المؤثرين المتخصصين” يتفاعلون مع رسائله، ما زاد من مصداقيته لدى جمهوره المستهدف.وبعد إقامته لعلاقة مع مستهدفيه على الفيسبوك، تمكن من إقناعهم بمواصلة الاتصال به على الواتساب، بل أقنعهم بالاجتماع به في استنبول،ثم طلب منهم لاحقا أن يرسلوا إليه صورا لمواقع حساسة،بل طلب من أحد مستهدفيه إنشاء نادٍ لليهود الإيرانيين، ليزوده بمعلومات حول الملتحقين بالنادي من أجل جذب مزيد من المستهدفين.ومن الممكن أن يكون ذلك محاولة لإنشاء خلية في إسرائيل لتنفيذ أكثر مهام الاستخبارات البشرية تقدما وتعقيدا، مع أن المتعاملين يجهلون أصلا هوية رجل الاستخبارات.وبعد كل “نشاط” ناجح، دفع نمدار لمستهدفيه مبالغ من المال، ليجذبهم أكثر إلى داخل شبكة العنكبوت التي نسجها حولهم.

وبحسب البيان الإعلامي الصادر عن جهاز الأمن العام الإسرائيلي لم يتم تسريب معلومات حرجة إلى المسؤول الإيراني، ولكن نظرة الى بروفايلات الذين تفاعلوا معه تشير الى أن الأمور قد تكون بلغت مرحلة مختلفة،حيث بلغ به الأمر حد إثارة اهتمام ضابط في الشرطة، إضافة إلى موظف في إحدى البلديات،علما بأن أمثالهما لا بد أن يحتفظوا بمعلومات قد تلحق ضررا بأمن إسرائيل.

العملية التي نظمتها المخابرات الإيرانية تتميز بعدد من الخصائص المثيرة للإعجاب،إذ كان نمدار ينشط على الفيسبوك، محاولا جذب اهتمام اليهود الإيرانيين منذ ما لا يقل عن ثماني سنوات، علما بأن النشاط الدائم على امتداد مثل هذه الفترة يتطلب استثمار كم كبير من الوقت والبنية التحتية. وإضافة إلى ذلك تبدو الصور الشخصية المستخدمة ضمن البروفايل شرعية لا تلاعب فيها ولا تزوير. ولكن من جهة ثانية فمن الممكن ان تكون هوية شخص ما قد تعرضت للسرقة. أما قدرته على إقناع مستهدفيه بالمشاركة في نشاط سري سلبي مثل إرسال صور لمواقع حساسة فهي مثار إعجاب. وإن قدرته على إقناع أحد مستهدفيه بإنشاء ناد لليهود الإيرانيين أمر لا يستهان به هو الآخر، ومن الجدير الانتباه الى أن افتتاح النادي قد حقق نسبة مشاركة ليست بالمتواضعة.

وهناك أمر واحد واضح يتمثل في أن إيران وضعت نصب عينيها شريحة سكانية معينة واستطاعت الوصول إليها.وبعد نشوء الاتصال مع الشريحة المستهدفة، باتوا يبحثون عن أفراد قادرين على الحصول على معلومات كانوا يعتبرونها هامة. وقد حرصوا على العمل بتأنٍّ لإنشاء علاقة مع هؤلاء الأفراد، واللجوء الى المواضيع الثقافية، حيث تمكنوا من الارتقاء بالعلاقات وإخراجها من حيز الفيسبوك العام، بل الاتجاه بها نحو عالم الواقع، وهي علاقة انطلقت على الفيسبوك ثم انتقلت إلى الواتساب، لتنمو فيما بعد حتى بلغت مرحلة تخطيط اجتماعات وجها لوجه وتأسيس منظمات في إسرائيل.

إن كافة المعلومات التي تناولناها هنا متاحة لكل من يملك اتصالا بالإنترنت وله حساب على الفيسبوك ومتعطش للمعرفة.فحين تعلم أين تبحث، فإن المعلومات التي تُعتبر “حساسة” أو “سرية” متاحة في الواقع للجميع. إن الصور والتعليقات واللايكات والرسائل ليست سوى مظهر الأشياء، لكنها تقدم منطلقا هاما عند القيام بتحقيق في مجال الاستخبارات أو الأمن الوقائي.