عرض لسبر أغوار الذات.

قبل ما يزيد عن عرين عاما ألقى زعيم حزب الله حسن نصر الله خطابا أصبح معروفا فيما بعد ب”خطاب خيوط العنكبوت”أرى أنه خطاب حاسم يعكس يقدم صورة للتفكير الحالي لخصوم إسرائيل حول متانة إسرائيل ومفارقة منعتها القومية في القرن ال 21.

هذه البصيرة البدائية التي عبر عنها الخطاب قد تكون الأكثر إيلاما حين تصف المواضيع الرائجة في المجتمع الإسرائيلي وتأثيرها على مركز إسرائيل الجيوسياسي.تميز نظرية نصر الله المعروفة بخيوط العنكبوت بين قوة إسرائيل العسكرية والتآكل المتواصل لصمود المجتمع الإسرائيلي.فكلما تعاظمت قوة جيش الدفاع الإسرائيلي واستعداده لنزاع إقليمي، كلما طال المجتمع الإسرائيلي تحول معكوس.إن المجتمع الإسرائيلي راض بالوضع القائم، وقد تعب الحروب وتراجع استعداده لدفع ثمن نزاع وجودي.لقد تآكلت منعتنا القومية المعتمدة على البقاء وإعداد الجبهة الداخلية وحفظ التماسك الاجتماعي إلى درجة أنها باتت تمثل خطرا حقيقيا وحاضرا لبقاء إسرائيل.

إن الفجوات المتزايدة في المجتمع والقيم الضائعة للسلوك السياسي واحترام الغير والشرعية المتزايدة التي اكتسبتها المؤسسات المستقلة عن الدولة ومؤسساتها، إضافة الى النسب المتضائلة للشباب الذين يلتحقون بالجيش – هذه الظواهر جميعها تساهم في تحلل المنعة القومية والاجتماعية.وبالتوازي ثمة توجهات متواصلة لفقدان القواسم المشتركة بين قطاعات المجتمع ومنها احتلال الضفة الغربية ووهن الديمقراطية الإسرائيلية.زد على ذلك الاتجاهات العالمية لتزايد المادية والهروب من الواقع والحقائق المتبدلة والاعتماد على مصادر غير موثوق بها وثقافة الأخبار الكاذبة، والتي تساهم في تدهور الديمقراطية في الدول المتطورة.

يمثل سلوك المجتمع الإسرائيلي طوال سنتي الجائحة العالمية ضوء أحمر ساطعا وامضا يسلط على انحسار منعة قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي،وفي الوقت نفسه تشير سيناريوهات واقعية تتحدث عن تزايد ما يمثله مخزون الصواريخ في المنطقة إلى خسائر ملموسة وأضرار كبيرة غير مسبوقة تواجهها الجبهة الداخلية.وإن كانت هذه السيناريوهات تتوقع تحقيق إسرائيل لانتصار حاسم، إلا أن الاضرار المتوقعة للجبهة الداخلية ستكون محسوسة سواء من حيث الخسائر البشرية أو من حيث الأضرار المتوقعة في البنى التحتية الحيوية.

ويسود إدراك عميق في المؤسسة الأمنية حول تآكل المنعة الاجتماعية الإسرائيلية،وهو أمر يمكن ملاحظته في جميع العمليات العسكرية الاستباقية التي أطلقتها إسرائيل خلال الخمس عشرة سنة الماضية، مما يجد صانعو القرار صعوبة في انتهاج سياسات تثمر عن انتصارات حاسمة ومغيرة للواقع في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان.تستثمر إسرائيل موارد بمبالغ خيالية في إنشاء قدرات دفاعية متعددة الأبعاد تهدف في الصميم الى الحصول على شرعية وتحمل داخليين للعمليات العسكرية في أوقات الصراع.هذا الاستثمار يأتي على حساب الاستثمارات لها حاجة ملحة في المجتمع والتعليم والجهاز الصحي والرفاه.

وغني عن القول إن الفائدة الهامشية المترتبة على هذا الاستثمار سوف لا تحول دون انهيار المجتمع المدني التي يعاني من تراجع مستمر في متانته.لقد كشف كوفيد 19، وإن كان غير منعزل، عن نقاط الضعف الكثيرة التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي.والاعتراف بهذه الحقيقة له تأثيرات خطيرة هائلة على صانعي القرار في الحكومة الحالية والحكومات المستقبلية.

إن عجز المجتمع الإسرائيلي عن التعامل مع أزمة صغيرة نسبية، إضافة الى عجزه عن التكيف مع الظروف المتغيرة ورفض التضليل والتسييس إلى حد فقدان المنطق السليم وغياب المنظور السليم قد أسفر عن وصف الأوضاع “بالفوضوية” ومساواتها بخراب الهيكل.وكل ذلك حيال مشكلة عالمية تخضع للسيطرة النسبية، وتمخضت عن وفاة أعداد من الناس تقل عن الأعداد المتوقعة خلال اليوم الأول من هجوم صاروخي ملموس على المدن الإسرائيلية الكبرى.

هذه الوصف يتزايد حلكة إذا أوردنا في الاعتبار أن الجائحة لم تلحق ضررا بسلسلة التوريد، ولا أضرت بأي بنى تحتية للمواصلات، كما أنها لم تعطل الشبكة الكهربائية أو المائية، كما أن الإعلام لم يتعرض لأية قيود أو رقابة أو الحيلولة دون اطلاعه على إحصاءات أو أحداث، إضافة الى ان أي مستشفى لم يبلغ قدرته القصوى على استقبال المرضى.ولم تنشأ مدافن جماعية، كما لم يبلغ عن آلاف من المفقودين نتيجة انهيار العمارات.لقد كان الوضع تحت السيطرة لم يقترب مما هو متوقع لإسرائيل نتيجة كارثة طبيعية كبرى (زلزال مثلا) أو هجوم صاروخي.

لقد تحولت إسرائيل الى مجتمع ضعيف، مجتمع مرتبك يلوذ بالفرار عند مواجهته للتحديات.إن التطلع الى اليقين المطلق وتجنب أية مبادرة وأية قدرة على ذاتيا أو محليا ونشوء موقف يتمثل في الاعتماد المطلق على الغير، كل ذلك يدعو إلى القلق، ويمثل أعراضا لأزمة أكثر عمقا.

لقد كان نصر الله محقا إلى حد أبعد في وصفه لخيوطنا العنكبوتية.وما كان صحيحا في مطلع القرن قد تعاظم بكل خطير خلال العقدين المنصرمين.إن تسليح الجيش وزيادة مدى أسلحتنا وتكنولوجيتنا العليا، لن يضيق الفجوة المتكونة في الثقافة والقيم والسيكولوجية الجماعية للمجتمع الإسرائيلي.هذا التحدي يتطلب قيادة تتحمل المسؤولية لتجابه المجتمع الإسرائيلية بما يفهمه أنه بات من الحيوي لمستقبل دولة إسرائيل أن يتم اتخاذ قرارات حاسمة.

بقلم: ليئور حوريف ليئور حوريف، مستشار إستراتيجي وخبير في موضوع الإدراك، مؤسس مشارك ورئيس شركة Percepto International